كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وَيَتَدَبَّرُوا أيضًا دَلَالَةَ النَّصِّ مِثْلُ نُزُولِهِ إلَى سَمَاءِ الدنيا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الْآخِرِ بِأَنَّ اللَّيْلَ يَخْتَلِفُ فَيَكُونُ لَيْلُ أَهْلِ الْمَشْرِقِ وَنِصْفُهُ وَثُلُثُهُ الْآخِرُ قَبْلَ ذَلِكَ فِي الْمَغْرِبِ بِقَرِيبِ مِنْ يوم. فَيَلْزَمُ على قولهِمْ أَنَّهُ لَا يَزَالُ تَحْتَ العرش وَهُوَ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُ اسْتَوَى على العرش بَعْدَ خلق السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضِ. وَمَا ذَكَرُوهُ يُنَافِي اسْتِوَاءَهُ على العرش وَأَنَّهُ لَيْسَ فَوْقَ العرش كَمَا قَدْ بُسِطَ فِي مَوَاضِعَ.
فَصْلٌ:
{الأعلى} على وَزْنِ أَفْعَلْ التَّفْضِيلِ مِثْلُ الْأَكْرَمِ وَالأكبر وَالْأَجَلِّ. وَلِهَذَا قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لما قال أَبُو سُفْيَانَ: اُعْلُ هُبَلُ اُعْلُ هُبَلُ فَقال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: «أَلَا تُجِيبُونَهُ؟» قالوا: وَمَا نَقول؟ قال: «قولوا: اللَّهُ أَعلى وَأَجَلُّ». وَهُوَ مَذْكُورٌ بِأَدَاةِ التَّعْرِيفِ (الأعلى) مِثْلُ {وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ} بِخِلَافِ مَا إذَا قِيلَ (اللَّهُ أَكْبَرُ) فَإِنَّهُ مُنَكَّرٌ. وَلِهَذَا مَعْنًى يَخُصُّهُ يَتَمَيَّزُ بِهِ وَلِهَذَا مَعْنًى يَخُصُّهُ يَتَمَيَّزُ بِهِ كَمَا بَيْنَ الْعُلُوِّ وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ. فَإِنَّ هَذِهِ الصِّفَاتِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً بَلْ مُتَلَازِمَةً فَبَيْنَهَا فُرُوقٌ لَطِيفَةٌ؛ وَلِهَذَا قال النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِيمَا يَرْوِي عَنْ رَبِّهِ تعالى: «الْعَظَمَةُ إزَارِي وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحدا مِنْهُمَا عَذَّبْته». فَجَعَلَ الْكِبْرِيَاءَ بِمَنْزِلَةِ الرِّدَاءِ وَهُوَ أَعلى مِنْ الْإِزَارِ.
وَلِهَذَا كَانَ شَعَائِرُ الصَّلَاةِ وَالْأَذَانُ وَالْأَعْيَادِ وَالْأَمَاكِنِ الْعالية هُوَ التَّكْبِيرَ. وَهُوَ أحد الْكَلِمَاتِ الَّتِي هِيَ أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ القرآن سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيح عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. وَلَمْ يَجِئْ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَثَرِ بَدَلَ قول (اللَّهُ أَكْبَرُ) (اللَّهُ أَعْظَمُ) وَلِهَذَا كَانَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ على أَنَّ الصَّلَاةَ لَا تَنْعَقِدُ إلَّا بِلَفْظِ التَّكْبِيرِ. فَلَوْ قال: (اللَّهُ أَعْظَمُ) لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ الصَّلَاةُ لِقول النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «مِفْتَاحُ الصَّلَاةِ الطَّهُورُ وَتَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ». وَهَذَا قول مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَحْمَد وَأَبِي يُوسُفَ ودَاوُد وَغَيْرِهِمْ. وَلَوْ أَتَى بِغَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَذْكَارِ مِثْلَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ لَمْ تَنْعَقِدْ بِهِ الصَّلَاةُ.
وَلِأَنَّ التَّكْبِيرَ مُخْتَصٌّ بِالذِّكْرِ فِي حَالِ الِارْتِفَاعِ كَمَا أَنَّ التَّسْبِيحَ مُخْتَصٌّ بِحَالِ الِانْخِفَاضِ كَمَا فِي السُّنَنِ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا عَلَوْنَا كَبَّرْنَا وَإِذَا هَبَطْنَا سَبَّحْنَا فَوُضِعَتْ الصَّلَاةُ على ذَلِكَ. وَلما نَزَلَ قولهُ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} قال: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ» وَلما نَزَلَ {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى} قال: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ».
وَثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ كَانَ يَقول فِي رُكُوعِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَفِي سُجُودِهِ سُبْحَانَ رَبِّي الأعلى.
وَلَمْ يَكُنْ يُكَبِّرْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. لَكِنْ قَدْ كَانَ يَقْرِنُ بِالتَّسْبِيحِ التَّحْمِيدَ وَالتَّهْلِيلَ كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ سُبْحَانَك: «اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي يَتَأَوَّلُ القرآن» أَيْ يَتَأَوَّلُ قولهُ: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. فَكَانَ يَجْمَعُ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ.
وَكَذَلِكَ قَدْ كَانَ يَقْرِنُ بِالتَّسْبِيحِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ التَّهْلِيلَ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ قالتْ: افْتَقَدْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيْلَةٍ فَظَنَنْت أَنَّهُ ذَهَبَ إلَى بَعْضِ نِسَائِهِ فَتَحَسَّسْت ثُمَّ رَجَعْت فَإِذَا هُوَ رَاكِعٌ أَوْ سَاجِدٌ يَقول: «سُبْحَانَك وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ». فَقُلْت: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي إنِّي لَفِي شَأْنٍ وَإِنَّك لَفِي شَأْنٍ.
فَفِي هَذِهِ الْأَحَادِيثِ كُلِّهَا أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ لَكِنْ قَدْ يَقْرِنُ بِالتَّسْبِيحِ التَّحْمِيدَ وَالتَّهْلِيلَ وَقَدْ يَقْرِنُ بِهِ الدُّعَاءَ. وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ كَبَّرَ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَأَمَّا قراءة القرآن فِيهِمَا فَقَدْ ثَبَتَ عَنْهُ أَنَّهُ قال: «إنِّي نُهِيت أَنْ أَقرأ القرآن رَاكِعًا وَسَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ مِنْ حديث على وَمِنْ حديث ابْنِ عَبَّاسٍ. وَذَلِكَ أَنَّ القرآن كَلَامُ اللَّهِ فَلَا يُتْلَى إلَّا فِي حَالِ الِارْتِفَاعِ وَالتَّكْبِيرِ أيضًا مَحَلُّهُ حَالَ الِارْتِفَاعِ. وَجُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ على أَنَّهُ يُشْرَعُ التَّسْبِيحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَرِهَ الْمُدَاوَمَةَ على ذَلِكَ لِئَلَّا يُظَنَّ وُجُوبُهُ. ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي وُجُوبِهِ. فَالْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَإِسْحَاقَ ودَاوُد وَغَيْرِهِمْ وُجُوبُهُ.
وعن أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ اسْتِحْبَابُهُ. وَالْقَائِلُونَ بِالْوُجُوبِ مِنْهُمْ مَنْ يَقول: يَتَعين (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ). و(سُبْحَانَ رَبِّي الأعلى) لِلْأَمْرِ بِهِمَا وَهُوَ قول كَثِيرٍ مِنْ أَصْحَابِ أَحْمَد: وَمِنْهُمْ مَنْ يَقول: بَلْ يذكر بَعْضَ الْأَذْكَارِ الْمَأْثُورَةِ. وَالْأَقْوَى أَنَّهُ يَتَعين التَّسْبِيحُ إمَّا بِلَفْظِ (سُبْحَانَ) وَإِمَّا بِلَفْظِ (سُبْحَانَك) وَنَحْوِ ذَلِكَ. وَذَلِكَ أَنَّ القرآن سَمَّاهَا (تَسْبِيحًا) فَدَلَّ على وُجُوبِ التَّسْبِيحِ فِيهَا وَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ الرُّكُوعُ وَالسُّجُودُ كَمَا سَمَّاهَا اللَّهُ (قرآنا) وَقَدْ بَيَّنَتْ السُّنَّةُ أَنَّ مَحَلَّ ذَلِكَ الْقِيَامُ. وَسَمَّاهَا (قِيَامًا) و(سُجُودًا) و(رُكُوعًا) وَبَيَّنَتْ السُّنَّةُ عِلَّةَ ذَلِكَ وَمَحَلَّهُ. وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ يُسَبِّحُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: «أَنَّهُ كَانَ يَقول: سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وسُبْحَانَ رَبِّي الأعلى»؛ وَأَنَّهُ كَانَ يَقول: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي، وسُبْحَانَك وَبِحَمْدِك لَا إلَهَ إلَّا أَنْتَ». وَفِي بَعْضِ رِوَايَاتِ أَبِي دَاوُد: «سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ» وَفِي اسْتِحْبَابِ هَذِهِ الزِّيَادَةِ عَنْ أَحْمَد رِوَايَتَانِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقول فِي رُكُوعِهِ وَسُجُودِهِ: «سُبُّوحٌ قُدُّوسٌ رَبُّ الْمَلَائِكَةِ وَالرُّوحِ» وَفِي السُّنَنِ أَنَّهُ كَانَ يَقول: «سُبْحَانَ ذي الْجَبَرُوتِ وَالْمَلَكُوت وَالْكِبْرِيَاءِ وَالْعَظَمَةِ». فَهَذِهِ كُلُّهَا تَسْبِيحَاتٌ.
وَالْمَنْقول عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْمُدَاوَمَةَ على ذَلِكَ. فَإِنْ كَانَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ على (سُبْحَانَ رَبِّي الأعلى وَالْعَظِيمِ) فَلَهُ وَجْهٌ وَإِنْ كَانَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ على جِنْسِ التَّسْبِيحِ فَلَا وَجْهَ لَهُ وَأَظُنُّهُ الْأَوَّلَ. وَكَذَلِكَ الْمَنْقول عَنْهُ إنَّمَا هُوَ كَرَاهَةُ الْمُدَاوَمَةِ على (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ) لِئَلَّا يُظَنَّ أَنَّهَا فَرْضٌ؛ وَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ مَالِكًا أَنْكَرُ أَنْ تَكُونَ فَرْضًا وَاجِبًا. وَهَذَا قَوِيٌّ ظَاهِرٌ بِخِلَافِ جِنْسِ التَّسْبِيحِ فَإِنَّ أَدِلَّةَ وُجُوبِهِ فِي الْكتاب وَالسُّنَّةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُدَاوِمُ على التَّسْبِيحِ بِأَلْفَاظِ مُتَنَوِّعَةٍ. وَقولهُ (اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَفِي سُجُودِكُمْ) يَقْتَضِي أَنَّ هَذَا مَحَلٌّ لِامْتِثَالِ هَذَا الْأَمْرِ لَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا يُقال إلَّا هِيَ مَعَ مَا قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ كَانَ يَقول غَيْرَهَا. وَالْجَمْعُ بَيْنَ صِيغَتَيْ تَسْبِيحٍ بَعِيدٍ بِخِلَافِ الْجَمْعِ بَيْنَ التَّسْبِيحِ وَالتَّحْمِيدِ وَالتَّهْلِيلِ وَالدُّعَاءِ. فَإِنَّ هَذِهِ أَنْوَاعٌ وَالتَّسْبِيحَ نَوْعٌ وَاحد فَلَا يُجْمَعُ فِيهِ بَيْنَ صِيغَتَيْنِ. وَأيضًا قَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّهُ قال: «أَفْضَلُ الْكَلَامِ بَعْدَ القرآن أَرْبَعٌ وَهُنَّ مِنْ القرآن سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَاَللَّهُ أَكْبَرُ». فَهَذَا يَقْتَضِي أَنَّ هَذِهِ الْكَلِمَاتِ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهَا. فَإِنْ جُعِلَ التَّسْبِيحُ نَوْعًا وَاحدا ف (سُبْحَانَ اللَّهِ) و(سُبْحَانَ رَبِّي الأعلى) سَوَاءٌ وَإِنْ جُعِلَ مُتَفَاضِلًا ف (سُبْحَانَ اللَّهِ) أَفْضَلُ بِهَذَا الْحديث. وَأيضًا فَقولهُ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأعلى} و{فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} أَمْرٌ بِتَسْبِيحِ رَبِّهِ لَيْسَ أَمْرًا بِصِيغَةِ مُعينةٍ. فَإِذَا قال (سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ) (سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك) فَقَدْ سَبَّحَ رَبَّهُ الأعلى وَالْعَظِيمَ. فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الأعلى وَهُوَ الْعَظِيمُ وَاسْمُهُ (اللَّهُ) يَتَنَاوَلُ مَعَانِيَ سَائِرِ الْأَسْمَاءِ بِطَرِيقِ التَّضَمُّن وَإِنْ كَانَ التَّصْرِيحُ بِالْعُلُوِّ وَالْعَظَمَةِ لَيْسَ هُوَ فِيهِ. فَفِي اسْمِهِ (اللَّهُ) التَّصْرِيحُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَاسْمُهُ (اللَّهُ) أَعْظَمَ مِنْ اسْمِهِ (الرَّبُّ). وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ: أَيُّ الْكَلَامِ أَفْضَلُ؟ فَقال: «مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ أَوْ لِعِبَادِهِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ». فَالْقِيَامُ فِيهِ التَّحْمِيدُ وَفِي الِاعْتِدَالِ مِنْ الرُّكُوعِ وَفِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ التَّسْبِيحُ وَفِي الِانْتِقال التَّكْبِيرُ وَفِي الْقعود التَّشَهُّدُ وَفِيهِ التَّوْحِيدُ. فَصَارَتْ الْأَنْوَاعُ الْأَرْبَعَةُ فِي الصَّلَاةِ.
وَالْفَاتِحَةِ أيضًا فِيهَا التَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ. فَالتَّحْمِيدُ وَالتَّوْحِيدُ رُكْنٌ يَجِبُ فِي الْقراءة؛ وَالتَّكْبِيرُ رُكْنٌ فِي الِافْتِتَاحِ؛ وَالتَّشَهُّدُ الْآخِرُ رُكْنٌ فِي الْقعود كَمَا هُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَحْمَد وَهُوَ مَذْهَبُ الشَّافِعِيِّ وَفِيهِ التَّشَهُّدُ الْمُتَضَمِّنُ لِلتَّوْحِيدِ. يَبْقَى التَّسْبِيحُ وَأَحْمَد يُوجِبُهُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ رُكْنٌ وَهُوَ قَوِيٌّ لِثُبُوتِ الْأَمْرِ بِهِ فِي القرآن وَالسُّنَّةِ. فَكَيْفَ يُوجِبُ الصَّلَاةَ على النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يَجِئْ أَمْرٌ بِهَا فِي الصَّلَاةِ خُصُوصًا وَلَا يُوجِبُ التَّسْبِيحَ مَعَ الْأَمْرِ بِهِ فِي الصَّلَاةِ وَمَعَ كَوْنِ الصَّلَاةِ تُسَمَّى (تَسْبِيحًا)؟ وَكُلُّ مَا سُمِّيَتْ بِهِ الصَّلَاة مِنْ أَبْعَاضِهَا فَهُوَ رَكْنٌ فِيهَا كَمَا سُمِّيَتْ (قِيَامًا) و(رُكُوعًا) و(سُجُودًا) (وَقراءة) وَسُمِّيَتْ أيضًا (تَسْبِيحًا). وَلَمْ يَأْتِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا يَنْفِي وُجُوبَهُ فِي حَالِ السَّهْوِ كَمَا وَرَدَ فِي التَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ أَنَّهُ لما تَرَكَهُ سَجَدَ لِلسَّهْوِ؛ لَكِنْ قَدْ يُقال: لما لَمْ يَأْمُرْ بِهِ الْمُسِيءَ فِي صَلَاتِهِ دَلَّ على أَنَّهُ وَاجِبٌ لَيْسَ بِرُكْنِ. وَبَسْطُ هَذِهِ الْمَسَائِلِ لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّ التَّسْبِيحَ قَدْ خُصَّ بِهِ حَالُ الِانْخِفَاضِ كَمَا خُصَّ حَالُ الِارْتِفَاعِ بِالتَّكْبِيرِ. فذكر الْعَبْدَ فِي حَالِ انْخِفَاضِهِ وَذُلِّهِ مَا يَتَّصِفُ بِهِ الرَّبُّ مُقَابِلَ ذَلِكَ. فَيَقول فِي السُّجُودِ (سُبْحَانَ رَبِّي الأعلى) وَفِي الرُّكُوعِ (سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ).
و(الأعلى) يَجْمَعُ مَعَانِي الْعُلُوِّ جَمِيعهَا وَأَنَّهُ الأعلى بِجَمِيعِ مَعَانِي الْعُلُوِّ. وَقَدْ اتَّفَقَ النَّاسُ على أَنَّهُ عَلَا على كُلِّ شَيْءٍ بِمَعْنَى أَنَّهُ قَاهِرٌ لَهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ مُتَصَرِّفٌ فِيهِ كَمَا قال: {إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خلق وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} وَعَلَا أَنَّهُ عَالٍ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَنَقْصٍ فَهُوَ عَالٍ عَنْ ذَلِكَ مُنَزَّهٌ عَنْهُ كَمَا قال تعالى: {وَلَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتُلْقَى فِي جَهَنَّمَ مَلُومًا مَدْحُورًا أَفَأَصْفَاكُمْ رَبُّكُمْ بِالْبَنِينَ وَاتَّخَذَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ إنَاثًا إنَّكُمْ لَتَقولونَ قولا عَظِيمًا وَلَقَدْ صَرَّفْنَا فِي هَذَا القرآن لِيذكروا وَمَا يَزِيدُهُمْ إلَّا نُفُورًا قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقولونَ إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذي العرش سَبِيلًا سبحانه وَتعالى عَمَّا يَقولونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} فَقَرَنَ تَعَالِيَهُ عَنْ ذَلِكَ بِالتَّسْبِيحِ.
وقال تعالى: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خلق وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ عَالِمِ الغيب وَالشَّهَادَةِ فَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ} وَقالتْ الْجِنُّ: {وَأَنَّهُ تعالى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَدًا}.
وَفِي دُعَاءِ الِاسْتِفْتَاحِ: «سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتعالى جَدُّك». وَفِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُ كَانَ يَقول فِي آخِرِ اسْتِفْتَاحِهِ: «تَبَارَكْت وَتَعَالَيْت أَسْتَغْفِرُك وَأَتُوبُ إلَيْك» فَقَدْ بَيَّنَ سبحانه أَنَّهُ تعالى عَمَّا يَقول الْمُبْطِلُونَ وَعَمَّا يُشْرِكُونَ. فَهُوَ مُتَعَالٍ عَنْ الشُّرَكَاءِ وَالْأَوْلَادِ كَمَا أَنَّهُ مُسَبَّحٌ عَنْ ذَلِكَ. وَتَعَالِيهِ سبحانه عَنْ الشَّرِيكِ هُوَ تَعَالِيهِ عَنْ السَّمِيِّ وَالنِّدِّ وَالْمِثْلِ فَلَا يَكُونُ شَيْءٌ مِثْلَهُ. وَقَدْ ذَكَرُوا مِنْ مَعَانِي الْعُلُوِّ الْفَضِيلَةَ كَمَا يُقال: الذَّهَبُ أَعلى مِنْ الْفِضَّةِ. وَنَفْيُ الْمِثْلِ عَنْهُ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَعلى مِنْ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ مِثْلَهُ. وَهُوَ يَتَضَمَّنُ أَنَّهُ أَفْضَلُ وَخَيْرٌ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ كَمَا أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ. وَفِي القرآن: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ على عِبَادِهِ الَّذينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمْ مَا يُشْرِكُونَ}. وَيَقول: {أَفَمَنْ يَخلق كَمَنْ لَا يَخلق أَفَلَا تَذَكَّرُونَ} وَيَقول: {أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إلَّا أَنْ يُهْدَى} وَقالتْ السَّحَرَةُ: {وَاللَّهُ خَيْرٌ وأبقى} وَهُوَ سبحانه يُبَيِّنُ أَنَّ الْمَعْبُودِينَ دُونَهُ لَيْسُوا مِثْلَهُ فِي مَوَاضِعَ كَقولهِ: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السماء وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقولونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذا بَعْدَ الْحَقِّ إلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ على الَّذينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إلَّا ظَنًّا إنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ}.
وقال تعالى: {أَفَمَنْ يَخلق كَمَنْ لَا يَخلق أَفَلَا تَذَكَّرُونَ وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَالَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} وَكَذَلِكَ قولهُ فِي أَثْنَاءِ السُّورَةِ {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقدر على شَيْءٍ وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَجَهْرًا هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أحدهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقدر على شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ على مَوْلَاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لَا يَأْتِ بِخَيْرٍ هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ على صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فَهُوَ سبحانه يُبَيِّنُ أَنَّهُ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ وَأَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ. وَيُبَيِّنُ مَا اخْتَصَّ بِهِ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَانْتِفَائِهَا عَمَّا يُعْبَدُ مِنْ دُونِهِ. وَيُبَيِّنُ أَنَّهُ يَتعالى عَمَّا يُشْرِكُونَ وَعَمَّا يَقولونَ مِنْ إثْبَاتِ الْأَوْلَادِ وَالشُّرَكَاءِ لَهُ. وَقال: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقولونَ إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذي العرش سَبِيلًا} وَهْم كَانُوا يَقولونَ إنَّهُمْ يَشْفَعُونَ لَهُمْ وَيَتَقَرَّبُونَ بِهِمْ. لَكِنْ كَانُوا يُثْبِتُونَ الشَّفَاعَةَ بِدُونِ إذْنِهِ فَيَجْعَلُونَ الْمَخْلُوقَ يَمْلِكُ الشَّفَاعَةَ وَهَذَا نَوْعٌ مِنْ الشِّرْكِ. فَلِهَذَا قال تعالى: {وَلَا يَمْلِكُ الَّذينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ} فَالشَّفَاعَةُ لَا يَمْلِكُهَا أحد غَيْرَ اللَّهِ. كَمَا رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ السدي فِي قولهِ: {إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذي العرش سَبِيلًا} يَقول: لَابْتَغَتْ الْحَوَائِجُ مِنْ اللَّهِ.
وعن مَعْمَرٍ عَنْ قتادة: {لَابْتَغَوْا إلَى ذي العرش سَبِيلًا} لَابْتَغَوْا التَّقَرُّبَ إلَيْهِ مَعَ أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا يَقولونَ.
وعن سَعِيدٍ عَنْ قتادة: {لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقولونَ} يَقول: لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ إذًا لَعَرَفُوا لَهُ فَضْلَهُ وَمَزِيَّتَهُ عَلَيْهِمْ وَلَابْتَغَوْا إلَيْهِ مَا يُقَرِّبُهُمْ إلَيْهِ. وَرُوِيَ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ: لَتَعَاطَوْا سُلْطَانَهُ.
وعن أَبِي بَكْرٍ الهذلي عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ: سَبِيلًا إلَى أَنْ يُزِيلُوا مُلْكَهُ والهذلي ضَعِيفٌ.
فَقَدْ تَضَمَّنَ الْعُلُوَّ الَّذي يَنْعَتُ بِهِ نَفْسَهُ فِي كتابهِ أَنَّهُ مُتَعَالٍ عَمَّا لَا يَلِيقُ بِهِ مِنْ الشُّرَكَاءِ وَالْأَوْلَادِ فَلَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ. وَهَذَا يَقْتَضِي ثُبُوتَ صِفَاتِ الْكَمَالِ لَهُ دُونَ مَا سِوَاهـ. وَأَنَّهُ لَا يُمَاثِلُهُ غَيْرُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ بَلْ هُوَ مُتَعَالٍ عَنْ أَنْ يُمَاثِلَهُ شَيْءٌ. وَتَضَمَّنَ أَنَّهُ عَالٍ على كُلِّ مَا سِوَاهُ قَاهِرٌ لَهُ قَادِرٌ عَلَيْهِ نَافِذَةٌ مَشِيئَتُهُ فِيهِ وَأَنَّهُ عَالٍ على الْجَمِيعِ فَوْقَ عَرْشِهِ. فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أُمُورٌ فِي اسْمِهِ (الْعَلِيِّ). وَإِثْبَاتُ عُلُوِّهِ عُلُوُّهُ على مَا سِوَاهُ وَقدرتُهُ عَلَيْهِ وَقَهْرُهُ يَقْتَضِي رُبُوبِيَّتَهُ لَهُ وَخَلْقَهُ لَهُ وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْكَمَالِ. وَعُلُوُّهُ عَنْ الْأَمْثَالِ يَقْتَضِي أَنَّهُ لَا مِثْلَ لَهُ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ. وَهَذَا وَهَذَا يَقْتَضِي جَمِيعَ مَا يُوصَفُ بِهِ فِي الْإِثْبَاتِ وَالنَّفْيِ. فَفِي الْإِثْبَاتِ يُوصَفُ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ وَفِي النَّفْيِ يُنَزَّهُ عَنْ النَّقْصِ الْمُنَاقِضِ لِلْكَمَالِ وَيُنَزَّهُ عَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ فِي صِفَاتِ الْكَمَالِ. كَمَا قَدْ دَلَّتْ على هَذَا وَهَذَا سُورَةُ الْإِخْلَاصِ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أحد اللَّهُ الصَّمَدُ}. وَتَعَالِيهِ عَنْ الشُّرَكَاءِ يَقْتَضِي اخْتِصَاصَهُ بِالْإِلَهِيَّةِ وَأَنَّهُ لَا يَسْتَحِقُّ الْعِبَادَةَ إلَّا هُوَ وَحْدَهُ كَمَا قال: {قُلْ لَوْ كَانَ مَعَهُ آلِهَةٌ كَمَا يَقولونَ إذًا لَابْتَغَوْا إلَى ذي العرش سَبِيلًا} أَيْ وَإِنْ كَانُوا كَمَا يَقولونَ يَشْفَعُونَ عِنْدَهُ بِغَيْرِ إذْنِهِ وَيُقَرِّبُونَكُمْ إلَيْهِ بِغَيْرِ إذْنِهِ فَهُوَ الرَّبُّ وَالْإِلَهُ دُونَهُمْ وَكَانُوا يَبْتَغُونَ إلَيْهِ سَبِيلًا بِالْعِبَادَةِ لَهُ وَالتَّقَرُّبِ إلَيْهِ. هَذَا أَصَحُّ الْقوليْنِ. كَمَا قال: {إنَّ هَذِهِ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إلَى رَبِّهِ سَبِيلًا وَمَا تَشَاءُونَ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} وَقال: {إنَّهُ تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ} وَقال: {أُولَئِكَ الَّذينَ يَدْعُونَ يَبْتَغُونَ إلَى رَبِّهِمُ الْوَسِيلَةَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ} ثُمَّ قال: {سبحانه وَتعالى عَمَّا يَقولونَ عُلُوًّا كَبِيرًا} فَتعالى عَنْ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ إلَهٌ غَيْرُهُ أَوْ أحد يَشْفَعُ عِنْدَهُ إلَّا بِإِذْنِهِ أَوْ يَتَقَرَّبُ إلَيْهِ أحد إلَّا بِإِذْنِهِ. فَهَذَا هُوَ الَّذي كَانُوا يَقولونَ. وَلَمْ يَكُونُوا يَقولونَ إنَّ آلِهَتَهُمْ تَقدر أَنْ تُمَانَعَهُ أَوْ تُغَالِبَهُ. بَلْ هَذَا يَلْزَمُ مِنْ فَرْضِ إلَهٍ آخَرَ يَخلق كَمَا يَخلق وَإِنْ كَانُوا هُمْ لَمْ يَقولوا ذَلِكَ كَمَا قال: {مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إلَهٍ إذًا لَذَهَبَ كُلُّ إلَهٍ بِمَا خلق وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ} فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ اسْمَهُ (الأعلى) يَتَضَمَّنُ اتِّصَافَهُ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ وَتَنْزِيهَهُ عَمَّا يُنَافِيهَا مِنْ صِفَاتِ النَّقْصِ وَعَنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلٌ وَأَنَّهُ لَا إلَهَ إلَّا هُوَ وَلَا رَبَّ سِوَاهـ.